الجمعة 12 ذو القعدة 1441 هـ

الموافق 3 يوليو 2020م

الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، حَمى حِمى التوحيدِ، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتقوه ووحدوه واعملوا وأخلصوا له، وجدوا واجتهدوا،واعلموا أنكم ملاقوه، وتوبوا إلى الله ربكم وأنيبوا إليه واستغفروه.

معاشر المسلمين: يقول الله تعالى في محكم تنـزيله: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وصح في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً ، مِائَةً إِلَّا وَاحِداً ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وهو وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ) قال أهل العلم: (وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها، ويأخذوا بحظهم من عبوديتها، وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم يحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عفوّ يحب العفو وأهله، حييّ يحب الحياء وأهله، بَرٌّ يحب الأبرار، شكور يحب الشاكرين، صبور يحب الصابرين، حليم يحب أهل الحلم).

فهل لك أيها المسلم،  ويا أيتها المسلمة: أن تتأملا معي بعض ما يسرد عليكما بعد قليل، وأن تتفكرا فيه، لتدركا شيئاً من أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله، فتدعواه بها وحده، ولا تشركا معه أحداً.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إذا حل الهم، وخيم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل، وبارت الحيل، نادى المنادي: يا اللهُ يا الله،(لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) فيفرّج الله الهم، وينفّس الكرب، ويذلل الصعب (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) إنه الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.

إذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار، وذوت الأشجار، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء. خرج المستغيثون بالشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرتع، فنادوا: يا اللهُ يا الله، فينـزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض، (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) إنه الله جل جلاله…

إذا اشتد المرض بالمريض، وضعف جسمه، وشحب لونه، وقلت حيلته، وضعفت وسيلته، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس، ورجفت اليد، ووجف القلب، وانطرح المريض، واتجه العليل، إلى العليّ الجليل. ونادى: يا اللهُ يا الله، فزال الداء، ودب الشفاء، وسُمع الدعاء، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) إنه الله جل جلاله.

إذا انطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجيّ، وهبّت الزوابع، وتسابقت الرياح، وتلبدّ الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركّاب. اتجهت الأفئدة، وجأرت الأصوات، يا اللهُ يا الله، فجاء عطفه، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك، فأزال المهالك، (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا

أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) إنه الله جل جلاله.

إذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض، فأشّر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات، فبكى الرجال، وصاح النساء، وفُجع الأطفال، وعم الرعب، وخيم الهلع، وعظم الفزع، ألحُّوا في النداء، وعظم الدعاء، يا اللهُ يا الله، فأتى لطفه، وتنـزلت رحمته، وعظمت منّته، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس، وهبطت الطائرة بسلام. إنه الله جل جلاله.

إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وفادته، وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات. لجأت إلى منفّس الكربات، وقاضي الحاجات، ونادت: يا اللهُ يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها.. بارك الله لها في الموهوب، ورزقت بره، وجعله الله من عباده الصالحين.. إنه اللطيف بعباده، جل جلاله وتبارك أسمه.

إذا حلّت بالعالم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عن الصواب، وعزّ عليه الجواب، مرّغ أنفه بالتراب، ونادى: يا اللهُ يا الله، يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، (اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فيأتي التوفيق، وتُحلّ المغاليق، فينكشف السحاب، ويُلهم الجواب.

أيها المسلمون: إنه الله جل جلاله، إنه الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء، ويدعوه آملاً في الشفاء، ويتجه إليه المكروب يسأله الصبر والرضا، والخُلف من كل فائت، والعوض من كل مفقود،(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، ويتجه إليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه على ظالمه فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) ويتجه إليه المحروم من الأولاد سائلاً أن يرزقه ذرية طيبة: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا)…

وكل واحد من هؤلاء يُؤمّل في أن يجاب إلى ما طلب، ويحقق له ما ارتجى، فما ذلك على قدرة الله ببعيد، وما ذلك على الله بعزيز.

أيها المؤمنون: أي سكينة يشعر بها المؤمن حين يلجأ إلى ربه في ساعة العسرة، ويوم الشدة، فيدعوه بما دعا به محمد صلى الله عليه وسلم من قبل:(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ

السَّبْعِ، وَرَبَّ الْأَرْضِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ).

إنه الله جل جلاله، سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين… من علق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزب عن نظره عازب، (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)

أيها المسلمون: إنه الله جل جلاله، كما قال سبحانه عن نفسه: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) يغفر ذنباً، ويفرّج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، يحي ميتاً ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويشفي سقيماً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلىً، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويقيل عثرةً، ويستر عورةً، ويؤمن روعةً.. إنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، يبسط الرزق، ويغدق العطاء، ويرسل النعم… إنه الله التواب الرحيم، ذو الفضل العظيم، الواسع العليم، العزيز الحكيم، ابتلى إبراهيم بكلمات، وسمع نداء يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحي هادياً مهدياً، وحناناً من لدنه وكان تقياً، أزال الكَرب عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورُفع إليه عيسى، وشق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، ونجّا هوداً وأهلك قومه، ونجّا صالحاً من الظالمين، فأصبح قومه في دارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفدا إسماعيل بذبح عظيم، وجعل عيسى وأمه آية للعالمين، ونجّا لوطاً وأرسل على قومه حجارة من سجيل منضود، ونجّا شعيباً برحمته، وأهلك أهل مدين بعدله (أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)… إنه الله جل جلاله، أغرق فرعون وقومه، ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، وخسف بقارون وبداره الأرض، (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) ونجّا يوسف من غياهب الجب، وجعله على خزائن الأرض.

إنه الله جل جلاله، أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأوجد وأبلى، ورفع وخفض، وأعز وأذل، وأعطى ومنع، ورفع ووضع.. هدى نوحاً وأضل ابنه، واختار إبراهيم وأبعد أباه، وأنقذ لوطاً وأهلك امرأته، ولعن فرعون وهدى زوجته، واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم ومقت عمه أبا لهب، وجعل من أنصار دعوته، أبناء ألدِ خصومِه كخالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، رضي الله عن الجميع، فسبحانه عدد خلقه، وسبحانه رضا نفسه، وسبحانه زنة عرشه، وسبحانه مداد كلماته.. إنه الله جل جلاله، أرغم أنوف الطغاة، وخفض رؤوس الظلمة، ومزق شمل الجبابرة، ودمّر سد مأرب بفأرة، وأهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطير أبابيل، عذب امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وغفر لامرأة بغيّ؛ لأنها سقت كلباً كاد يموت من العطش.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأخلصوا دينكم لله، وحققوا توحيدكم وعبادتكم ودعائكم له وحده، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.

اللهم إنا أصبحنا وأمسينا، نشهدك و نشهد حملة عرشك و ملائكتك و جميع خلقك، بأنك أنت الله لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك و رسولك، ياسميع الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عالم السر والنجوى، والمطلع على الضمائر وكل ما يخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، نحمده سبحانه، وعد المخلصين الدرجات العلى، وحذر المشركين به ناراً تلظى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفرد بالكمال في ذاته وأسمائه وصفاته، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أكمل الخلق توحيداً، وأبرهم عملاً، وأتقاهم لله رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:فيا أيها المسلمون: اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن من لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرّط حسرة وخوفاً، تقطع قلبه في الآخرة إذا حُقّت الحقائق، وظهرت الوثائق، وحضرت الخلائق، وعاين ثواب المطيعين، وعقاب العاصين: (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)

يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً

فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ

فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرم

أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعاً

فَإِذَا رَدَدَّتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ

مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّالرَّجَا

وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

أيها الإخوة والأخوات في الله: إن في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له في توحيده، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبداً.

فليتكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ

وليتكَ ترضى والأنامُ غضابُ

وليت الذي بيني وبينكَ عامرٌ

وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ

إذا صَحَّ مِنْكَ الودُّ فالكلُّ هَيّنٌ

وكلُّ الذّي فوقَ الترابِ ترابُ

سبحانه ما أعظمه وأرحمه، سبحانه سبقت رحمته غضبه، سبحانه سبق عفوه عقوبته، لا أحد أصبر على أذى خلقه منه، تجرأ عليه قوم من أهل الكتاب فقالوا: (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ)، وتجرأ عليه آخرون فقالوا: (إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) ومع كل هذه الجرأة دعاهم جل وعلا إلى التوبة فقال بعد ذلك: (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فلو تابوا لقبل توبتهم، وغسل حوبتهم، فكيف بالمسلم العاصي الباغي… فسبحانه من خالق عظيم، جواد كريم، الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجل هباته، فمن أعظم منه جوداً؟ الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم

لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، يجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء، من ذا الذي دعاه فلم يستجب له؟ أم من ذا الذي سأله فلم يعطه؟ أم من ذا الذي أناخ ببابه فنحاه؟ فهو ذو الفضل ومنه الفضل، وهو الجواد ومنه الجود، وهو الكريم سبحانه ومنه الكرم. صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،(نزولاً يليق به) حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ..

أخي وأختي في الله: احسب حساباتك من هذه الوهلة، ما دمت في زمن المـُهلة قبل يوم النُقلة؛ فاليوم أنت على الأرض، وبعدها تحت الأرض، ثم أنت في يوم العرض. يا من قصّرت في جنب الله وبارزته بالمعاصي، وتركت الصلوات، وتهاونت في الأوامر، وفعلتَ النواهي ارجع إلى ربك الغفور الرحيم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

اللهم أحينا على التوحيد وأمتنا عليه، اللهم ارزقنا تحقيقه، وسلمنا يا إلهنا وخالقنا من كبار الشرك وصغاره، دقيقه وجليله، وظاهره وخفيه، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتوفنا وأنت راض عنا غير ضالين ولا مضلين، وارزقنا الصدق والإخلاص، وأعذنا من الرياء والسمعة والعجب، وسائر محبطات الأعمال. اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه .

اللهم ارفعْ وأدفع عنَّا البَلاءَ والوَباءَ والغلا والرِّبا والزِّنا، والفواحشَ والزَّلازلَ والمِحَنَ والفتنَ، وسَيءَ الأسقَامِ والأمراضِ عن بلدِنا البَحرينِ خاصةً، وعن سَائرِ بلادِ المسلمينَ عامةً يا ربَّ العالمينَ.. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،  الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ، وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد،  الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ، وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ

الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ…اللهم اجزِ المسئولين في فريق البحرين الوطني من الأطباء والممرِّضيَن والمسعفين والعسكريين ورجال الأمن والإعلاميين والمتطوِّعين والقائمين على إدارة جائحة كورونا والعاملينَ، أجزهم يا ربنا خيرَ الجزاء وأوفاه، وأَعْظِمْ مثوبتَهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه يا سميع الدعاء، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وارحم موتاهم، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين. اللهم أنصر عبادك المستضعفين المظلومين في كل مكان، وكن لهم ناصرا ومؤيداً، اللهم حرر الأقصى من أيدي الصهاينة الغاصبين، وارزقنا فيه صلاة طيبة قبل الممات يا رب العالمين… اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم،، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين